المشاركات الشائعة

الأربعاء، 11 مايو 2011

بناء النفس البشرية


بناء النفس الإنسانية

تتكوّن النفس البشرية من مجموعة من الخطوط المتوازية والمتعارضة في الاتجاه.. تولد مع الطفل، وتبرزها انفعالاته.. تستمد من الوراثة نصيباً ومن رعاية الأُم والمجتمع النصيب الأكبر.
أهم هذه الخطوط هي: خطّا الخوف والرجاء.
وهما من أهم الخطوط في بناء النفس الإنسانية.. فالنفس بطبيعتها تخاف وترجو (ويَرجُونَ رَحمَتَهُ ويَخافونَ عَذابَهُ) (الإسراء/ 57).
فالإنسان يخاف الظلمة ويخاف الوحدة ويخاف السقوط ويخاف الطغاة ويخاف السجون ويخاف الفقر ويخاف الموت ويخاف المجهول.
والإسلام يعمد إلى خطّي الخوف والرجاء فينفض عنهما كل خوف فاسد وكل رجاء منحرف.
ينفض عنهما الخوف من الموت.. والخوف على الرزق.. والخوف من أذى الناس.. والخوف من المجهول.. فهذا الخوف لا مبرر له، فأمره ليس بيده أو بيد أحد.
فالخوف ينبغي أن يكون من الله، ومما يخوّف الله به (لِيَعلَمَ اللهُ مَن يَخافُهُ بِالغَيب) (المائدة/ 94)، (إنّا نَخافُ مِن رَبِّنا يَوماً عَبوساً قَمطَريراً) (الإنسان/ 10).
وكذلك الرجاء.. فالإنسان يرجو النعيم في الأرض والمال والبنين والشهوات والجاه والسلطان والقوة.. والإسلام لا يمنع ذلك.. ولكنه لا يريد أن يكون الإنسان أسيراً لهذه الآمال بحيث تسيطر عليه وتستغرق كيانه.. وبالمقابل، يطالب الإسلام الإنسان بأن يرجو ربّه ويتطلع إلى مثوبته ورضاه.
(
يا أيَّتُها النَّفسُ المُطمَئِنّة * ارجِعِي إلى رَبِّكِ راضِيَةً مَرضِيَّة * فَادخُلي في عِبادي * وادخُلي جَنَّتي) (الفجر/ 27-30).
والخوف والرجاء بقوتهما واختلاطهما بالكيان البشري في أعماقه، يوجهان ويحددان للإنسان أهدافه وسلوكه ومعالم شخصيته.
ومن هذين الخطين المتقابلين المتجاورين يمسك الإسلام بزمام النفس البشرية، فيعدها ويمنيها، ويخوّفها ويرهّبها.. وفيما بين ذلك يغرس فيها كل البذور الصالحة.. التي يقصد إلى غرسها في قرارة النفس الإنسانية.
-
خطّا الحب والكره:
وهما خطّان آخران أصيلان من خطوط النفس البشرية.. فالإنسان يحب نفسه، ويحب متعته، ويحب السلطان والنفوذ، ويحب أن يعمّر ويخلد.. وبالتالي يكره كل ما يقف في سبيله للوصول إلى ما يحب.
والإسلام لا يحارب النفس ولكنه يهذبها ويضبطها.. ويحول دون تحولها إلى شهوة أنانية تستذل صاحبها.. وتصطدم بالآخرين.
يوجه الإسلام الإنسان إلى حبّ الله الذي خلقه في أحسن تقويم، وسخّر له ما في الأرض جميعاً، وحبّ الكون الذي هو من مخلوقات الله، وحبّ الناس. وكذلك الكره.. يوجه إلى قوى الشر في الأرض، إلى الظلم والعدوان والطغيان، وإلى كل انحراف عن سبيل الله.
قال رسول الله (ص): "إنّ من عباد الله عباداً ليسوا بأنبياء يغبطهم الأنبياء والشهداء". قيل: مَن هم يا رسول الله؟ قال: "هم قوم تحابوا بنور الله من غير أرحام ولا أنساب، وجوههم نور، على منابر من نور، لا يخافون إذا خاف الناس، ولا يحزنون إذا حزن الناس"، ثم قرأ: (ألا إنّ أولياء اللهِ لا خَوفٌ عَلَيهم ولا هُم يَحزَنون) (يونس/ 62).
هذا الحب هو الذي يوازن حبّ الإنسان لنفسه، ويضعه في وضعه الصحيح، فلا يظلم ولا يجور ولا يغتصب لنفسه حقوق الآخرين.
وبذلك يتحوّل خطّا الحب والكره إلى عامل رئيس في بناء النفس الإنسانية بالشكل الصحيح.
-
الواقع والخيال:
والواقع والخيال من الخطوط الموجودة في النفس البشرية.
أمّا الواقع، فكل عمل في نطاق الحياة الدنيا، مثل إقامة الدولة، وتنظيمها، وحمايتها، وتنظيم المجتمع بحاجاته المادية والاقتصادية والسياسية والتعليمية، وكل ما يحتاج إليه الإنسان في الأرض، وكل الضرورات التي لا يستغني عنها، وكل العلوم والمخترعات والتنظيمات.
والواقع اليوم كبير وممتد.. وطموح العلم لا تحدّه حدود لا في المكان ولا في الزمان.. فقد تمدد المكان ليشمل إلى جانب الأرض الفضاء بكل اتساعه.. والأجرام بكل تنوعها.. وتمدد الزمان ليشمل المستقبل.. بل إنّ الخمسين سنة القادمة صاروا يعدونها من الحاضر.
والخيال الواقعي.. يدفع الواقع إلى مواطن الكمال.. فيتطلع الإنسان باستمرار إلى تحقيقه. فالرسول (ص) وأصحابه كانوا في واقع صعب وهم يعيشون أحداث غزوة الأحزاب.. حتى إذا ضاقت عليهم الأرض بما رحبت.. وبلغت القلوب الحناجر.. يقول لهم رسول الله (ص) وقد رأى شرارة تنقذف من صخرة في الخندق: "الله أكبر أعطيت مفاتيح الشام والله إني لأنظر قصورها الحمر الساعة، ثم ضرب الثانية، فقال: الله أكبر، أعطيت فارس، ثم ضرب الثالثة، فقال: الله أكبر، أعطيت مفاتيح اليمن".
وتبلغ درجة اليقين عند أصحاب رسول الله بهذا الخيال فيسألونه: أيهما تفتح قبلاً يا رسول الله؟
هذا الخيال.. الذي تحوّله الطاقة المؤمنة إلى خطّة عمل ومستقبل مطلوب يسعى الجميع إلى تحقيقه.. هو الجانب الآخر المقابل للواقعية المحصورة في نطاق الأرض.. ومستلزمات الناس.
هذا الخيال الواقعي يمتد بالإنسان ليشمل تصور الكمال والجمال في العالم الآخر "فيها ما لا عين رأت ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر". فقدرة النفس على التخيل الواقعي.. جزء من إنجاز الواقع بشكل أكمل وأشمل وأجمل.
-
الحسية والمعنوية:
ومن خطوط النفس الإنسانية الحسية والمعنوية.
أمّا الحسية، فهي طاقة الجسد وكل ما يتصل بها من زينة الحياة الدنيا كالأكل والشرب.. واللباس وزينته.. والجنس ولذائذه.. والمسكن وتجهيزاته.. ووسائل المتعة المختلفة.. كل ذلك يحرص عليه الإسلام.. وينكر على مَن ينكره.. بل ويعتبر الإعراض عنه مجافاة للفطرة.. يقول رسول الله (ص): "أمّا أنا فأُصلي وأنام وأصوم وأفطر وأتزوّج النساء، فمن رغب عن سنّتي فليس منِّي".
ولا يشترط الإسلام في هذا الأمر سوى نظافة العلاقة وبعدها عن الحرام.
أمّا الطاقة المعنوية، فهي الطاقة الإنسانية التي يرتفع بها الإنسان من عالمه الأرضي إلى مستوى أعلى.. ومن دائرة ملذاته إلى دائرة خدمة الخلق جميعاً.. ومن أفق بني جنسه إلى آفاق بني الإنسان.
والإسلام يهتم أعظم الاهتمام بهذه الطاقة ويجعلها أساس الحياة الإنسانية.. وحتى لا يتركها تهوّم في أجواء غير واضحة، فقد ربطها بالعقيدة بكل شمولها واتساعها.
فإذا اهتدت الطاقة الحسية بهدي الإسلام.. وارتبطت الطاقة المعنوية برباط العقيدة.. عندها يرتبط الحسي والمعنوي في واقع الحياة كما هما مرتبطان في واقع الناس (فِطرَةَ اللهِ التي فَطَرَ الناسَ عَلَيها لا تَبدِيلَ لِخَلقِ اللهِ ذلكَ الدِّينُ القَيِّمُ) (الرُّوم/ 30).
-
ما تدركه الحواس وما لا تدركه الحواس:
وهذان خطّان آخران من خطوط النفس البشرية.
أمّا ما تدركه الحواس، فماثلٌ في صفحة الكون المفتوحة.. وفي أعماق النفس الظاهرة والمستوردة.. وهو الجانب الذي تركز عليه ولا تعترف إلا به الحضارة المادية.. فالدين (في نظرهم) تهويم.. والحياة مادة.. وحقيقة العالم تنحصر في ماديته، كما يقول ماركس.. وحقيقة الأشياء ما تراه في أنبوبة الاختبار، كما تقول المادية الحديثة.
وإذ أنكرت الحضارة المادية كل ما يتعلق بالغيبيات، فإنّ الإسلام يعتبر الإيمان بالغيب مزيته الأولى، قال تعالى: (الم * ذلكَ الكِتابُ لا رَيبَ فِيهِ هُدىً لِلمُتّقين * الذينَ يُؤمنُونَ بِالغَيبِ ويُقِيمونَ الصَّلاةَ وممّا رَزَقناهُم يُنفِقون) (البقرة/ 1-3).
وبالإيمان بالغيب، بالله تعالى والوحي والجنّة والنار والملائكة والجن وغيرها هي قاعدة الإيمان كله.
وبالإيمان تستقيم الحياة.. وبدونه تصبح الحياة جافة خامدة مادية يتنازع السيطرة عليها والصراع حولها شياطين الإنس والجن.
وبهذا وذاك ينفذ الإسلام إلى النفس البشرية من المنافذ كلها، عن طريق إيمانها بما تدركه الحواس، وإيمانها بما لا تدركه الحواس. وربط ذلك كله بتوجيه النفس إلى الله خالق كل شيء.
-
الفردية والجماعية:
والفردية والجماعية خطّان من خطوط النفس البشرية.
أمّا الفردية، فتقوم على أساس أنّ حرّية الفرد لا تحدها حدود.. والجماعية تقوم على أساس أنّ حرّية المجتمع هي الأساس.
ولقد تبنّت بعض النظم الفردية ووسعت من دائرتها حتى أفسدت المجتمع وأفسدت الفرد ذاته..
فعندما تحاصر المخدرات المجتمع الأمريكي على سبيل المثال، لا يستطيع هذا المجتمع مقاومتها بالشكل الصحيح، لأن ذلك يعتبر تدخلاً منه في حرّية الفرد. وتبنّت بالمقابل بعض الأنظمة الجماعية ووسّعت من دائرتها حتى سحقت الفرد وأنهت طموحه ما عدا بعض الحرّيات الخاصة التي تضر أكثر مما تنفع.
والإسلام وحده هو الذي أخذ بيد الفرد وأعطاه كامل حرّيته، ولكنها تنتهي عندما تبدأ حرّية المجتمع.. وشبّه رسول الله (ص) الأمر بالسفينة التي يركبها فريق من الناس.. أحب بعضهم أن يخرقها تحت شعار الحرّية الفردية، فقال رسول الله (ص): "فإن تركوهم وما أرادوا هلكوا وهلكوا جميعاً، وإن أخذوا على أيديهم نجوا ونجوا جميعاً".
للفرد حرّيته.. وهو مسؤول عن هذه الحرّية (كُلُّ نَفسٍ بِما كَسَبَت رَهِينَة) (المدثر/ 38).
وللمجتمع حرّيته (والمُؤمِنونَ والمُؤمِناتُ بَعضُهُم أَوليَاءُ بَعضٍ) (التوبة/ 71)، (كُنتُم خَيرَ أُمَّةٍ أُخرِجَت لِلنّاسِ تَأمُرُونَ بِالمَعرُوفِ وتَنهَونَ عَنِ المُنكَرِ وتُؤمِنونَ بِاللهِ) (آل عمران/ 110).
وهكذا تلتقي الحرّية الفردية والنزعة الجماعية.. كلتاهما تتحدان في الهدف وتتحدان في العمل وترتبطان بالله عزّ وجل.. في تناغم وترابط يُسعد الإنسان.. ويعمِّر الحياة.
-
الالتزام والتطوّع:
وهما خطّان متوازيان متقابلان من خطوط النفس البشرية.
والالتزام في الإنسان فطرة.
فالمرأة تحب أن تلتزم ببيتها.. والرجل والمرأة يحبان الالتزام بمؤسسات المجتمع، مثل الأسرة وطاعة قوانين الدولة، والالتزام بالتعاليم.. والشاب الأكثر تحرراً وطموحاً يحب أن يلتزم مع شلة الحارة أو صحبة المكتب أو صحبة المسجد.
ومن أشدّ التهم التي يشعر بها الإنسان بالخزي إذا وصم بعدم التزامه تجاه بلده أو بيته أو أسرته.. أو جماعته أو شلته.
أمّا الخط الآخر المقابل، فهو ميل الإنسان للإحساس بأنه غير ملتزم وأنه يؤدي الأشياء، لأنه هو يريد أن يؤديها لا لأنها مفروضة عليه! وحتى لا تشرد هذه الخطوط بالإنسان، فقد وضع الإسلام كِلا الخطين في موقعهما الصحيح.
فحثّ الإنسان الملتزم على الوفاء بعقد التزامه مع الجماعة والأُمّة مع ربط ذلك بالشعور بالواجب والإحساس بالمسؤولية وأنه يفعل ذلك بما يرضي الله، فلا طاعة لمخلوق في معصية الخالق.
قال تعالى: (يا أيُّها الذينَ آمَنوا أَطِيعُوا اللهَ وأطِيعُوا الرَّسولَ وأُولِي الأَمرِ مِنكُم فإنْ تَنازَعتُم في شَيء فَرُدُّوهُ إلى اللهِ والرَّسولِ إن كُنتُم تُؤمِنونَ بِاللهِ واليَومِ الآخِرِ ذلِكَ خَيرٌ وأحسَنُ تأوِيلاً) (النساء/ 59).
فكل تشريع أو توجيه أو طاعة أو التزام مرتبط بالله، يؤدي لوجهه الكريم.
وأمّا بالنسبة لخط التطوع (أو عدم الميل للشعور بالالتزام)، فقد عالجه الإسلام.. فحبب للنفس أولاً أن تؤدي كل ما عليها من الالتزام خالصاً لوجه الله.. فيرتفع الأمر من صورة الالتزام القاهر إلى الرغبة الذاتية في الأداء.. ثمّ يدع الباب مفتوحاً للتطوع الحقيقي الذي يصنعه الإسلام ليرتفع في درجات الإيمان (ولِكُلٍّ دَرَجاتٌ ممّا عَمِلُوا) (الأنعام/ 132).
قال تعالى: (وَعَلى الذينَ يُطِيقونَهُ فِديَةٌ طَعَامُ مِسكِينٍ فَمَن تَطَوَّعَ خَيراً فَهوَ خَيرٌ لَهُ وأَن تَصُومُوا خَيرٌ لَكُم إن كُنتُم تَعلَمُون) (البقرة/ 184).
وقال تعالى: (وعِبادُ الرَّحمنُ الذينَ يَمشُونَ عَلَى الأرضُ هَوناً وإذا خاطَبَهُمُ الجاهُلونَ قالوا سَلاما * والذينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهُم سُجّداً وقِياما * والذينَ يَقولونَ رَبَّنا اصْرِفٍ عَنَّا عَذابَ جَهَنَّمَ إنّ عَذابَها كانَ غَرَاما * إنّها سَاءَتْ مُستَقَراً ومُقاما * والذينَ إذا أَنفَقُوا لَم يُسرِفوا وَلَم يَقْتُرُوا وكانَ بَينَ ذلكَ قَوَاما * والذينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللهِ إلهاً آخَرَ وَلا يَقتُلُونَ النَّفسَ التي حَرَّمَ اللهُ إلا بِالحَقِّ وَلا يَزنُونَ ومَن يَفعَل ذلكَ يَلْقَ أَثَاما * يُضاعَفْ لَهُ العَذابُ يَومَ القِيامَةِ ويَخلُدْ فِيهِ مُهانا * إلا مَن تَابَ وآمَنَ وعَمِلَ عَملاً صالِحاً فأُولئِكَ يُبَدِّلُ اللهُ سَيِّئاتِهِم حَسَناتٍ وَكانَ اللهُ غَفوراً رَحيما * ومَن تابَ وعَمِلَ صالِحاً فإنّهُ يَتُوبُ إلى اللهِ مَتَابا * والذينَ لا يَشهَدونّ الزُّورَ وإذا مَرُّوا بِاللَّغوِ مَرُّوا كِراما * والذينّ إذا ذُكِّروا بِآياتِ رَبِّهِم لَم يَخِرُّوا عَلَيها صُمّاً وَعُميَانا * والذينَ يُقولونَ رَبَّنا هِبْ لَنا مِن أزوَاجِنا وذُرِّيَّاتِنا قُرَّةَ أعيُنٍ وَاجعَلنا لِلمُتَّقينَ إِمَاما) (الفرقان/ 63-74).
إنها وسيلة مثلى للتربية.. تطلب من النفس الطلب وأنت تشعرها بأنك لا تطلب! إنما أنت فقط تعرض نموذجاً جميلاً للإنسان! وأنت ضامن بعد ذلك أنّ الإيحاء سيعمل عمله، وسيحاول مَن يحاول أن يكون مثل ذلك النموذج الجميل المعروض أبداً للأنظار.
-
السلبية والإيجابية:
والسلبية والإيجابية خطّان آخران متوازيان ومتقابلان من خطوط النفس البشرية.
والسلبية هي الانكفاء على النفس لا يهمّها بعد ذلك ما يحصل.. عمرت الدنيا أو خربت، صلحت الحياة أو ضلت وشقيت.
قد يستذل الإنسان للدولة أو النظام.
وقد يستذل لعادة أو شهوة.
وقد يستذل لتقليد اجتماعي.. تلك عيوب السلبية التي يفقد فيها الإنسان قدرته على التوجيه.. ينقاد ولا يقود، يوجَّه ولا يوجِّه.
مع انتشار دعوة الإسلام في المجتمع المكّي، انضم إليه خلاصة أهل مكّة من كل القبائل والطبقات.. كما وأسرع لاعتناقه المستضعفون.. فقد وجدوا في عقيدته وقيمه ضالتهم التي تخلصهم من طوق العبودية ومن ذلّ الحياة.. باستثناء قلّة قليلة من هؤلاء العبيد.. لم يقبلوا على الدين الجديد.. فقد دفعتهم سلبيتهم وحبّهم لشهواتهم.. إلى الالتصاق بأسيادهم الذين يؤمِّنون لهم الطعام والشراب والملبس والشهوات.. وماذا يريدون بعد ذلك؟
ومقابل هذا الصنف، كانت نماذج أخرى من أمثال: عمار وياسر وسمية وبلال وصهيب وأبو بكر وعمر وعثمان وعلي وغيرهم.. فقد كانت نفوسهم مهيّأة تحتاج مجرد إشارة أو قبسة من نور.. كانوا ينتظرون هذا القبس بلهفة.. فلمّا جاءتهم الإشارة أو ومضة النور من الحبيب محمد (ص) ومعه تعاليم الرب.. وعظمة العقيدة.. وتعاليم الإسلام.. اشرأبت نفوسهم إلى النور وانطلقوا بكل الإيجابية لمؤازرة الدين الجديد غير عابئين بكل ما يصيبهم من بطش الكفر وجبروته.. فبعد أن تتحرر النفس من أسار الطين، تنطلق بمنتهى القوة للتمسك بالحق وهداية الخلق.. وبناء الحياة على أساس الحق (ولِلهِ العِزَّةُ ولِرَسولِهِ ولِلمُؤمِنِين) (المنافقون/ 8).. (وَلا تَهِنُوا وَلا تَحزَنوا وأَنتُم الأَعلَونَ إن كُنتُم مُؤمِنِين * إن يَمْسَسْكُم قَرْحٌ فَقَد مَسَّ القَومَ قَرْحٌ مِثلُهُ وتِلكَ الأيّامُ نُداوِلُها بَينَ الناسٍ) (آل عمران/ 139-140).
وللإيجابية عيوب، فقد تنحرف إلى تبجح وعناد وإصرار وتشدد، يريد الإنسان أن يثبت وجوده، وأن يحقق ذاته فيحطِّم.. ويعتدي.. ويرتكب كثيراً من ألوان الشر ليبرز ويشار إليه بالبنان.
ولقد عالج الإسلام هاتين الطاقتين، السلبية والإيجابية، بما يصلحهما.. فهي تسليم كامل مع الله.. وإيجابية كاملة في بناء الحياة.. وبذلك تصلح النفس ويستقيم المجتمع.
*
المصدر: التربية ودورها في تشكيل السلوك
مصطفى محمد الطحان

الثلاثاء، 10 مايو 2011

التسامح


التســــــــــــــــــامح
الإسلام دين الفطرة، دين الحنيفية السمحة، دين التسامح والمحبة والأخلاق العظيمة.
والتسامح خلق الإسلام كدين منذ أن خَلَق الله الأرض ومن عليها، منذ أن بعث الأنبياء والرسل، فكانت رسالة السماء تُسمّى على مر العصور، وفي زمن كل الأنبياء بالحنيفية السمحة كدليل على التسامح والتواصل والمحبة.
ثمّ جاء رسول الله _صلّى الله عليه وسلم_ حاملاً هذه الرسالة العظيمة المتضمنة لكل معاني القيم الإنسانية والحضارية، وفي طليعة هذه القيم التسامح، وقد جسّد هذا الخُلُق في مفاهيم عملية فحوّلها من مجرد قيمة إلى مفهوم عملي لازم حياته في جميع مراحلها، قبل البعثة وبعدها، في حالات الضعف كما في حالات القوة.
لقد دعا رسول الله _صلى الله عليه وسلم_ إلى إشاعة جو التسامح والسلام بين المسلمين، وبينهم وبين غيرهم من الأمم، واعتبر ذلك من مكارم الأخلاق، فكان في تعامله مع المسلمين متسامحاً حتى قال الله _تعالى_ فيه: " لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ" (التوبة:128)، وكان مع غير المسلمين ينطلق من هذا المبدأ العظيم ليكرّس قاعدة التواصل والتعاون والتعارف بين الناس، ولتكون العلاقة الطيبة الأساس الذي تُبنى عليه علاقات ومصالح الأمم والشعوب، وحتى مع أعدائه الذين ناصبوه العداء كان متسامحاً إلى حد العفو عن أسراهم واللطف بهم والإحسان إليهم.
فها هو أثناء عودته من الطائف، وبعد أن أدموه وأغروا به سفهاءهم وغلمانهم، وبعد أن طردوه من قريتهم، وأساءوا معاملته، يأتيه ملك الجبال يقول: مُر يا محمد. فيقول رسول الله: لعلّ الله يخرج من أصلابهم من يعبده وينصر هذا الدين. لقد كان ملك الجبال ينتظر منه إشارة ليطبق عليهم الأخشبين ويغرقهم في ظلمات الأرض فلا ينجو منهم أحد، ولكن الرحمة في قلبه وخُلُق التسامح الذي تربّى عليه دفعه إلى الاعتذار من ملك الجبال، وقال قولته الشهيرة التي تنمّ عن مسؤولية عظيمة وخُلُق فاضل.
ولم يكن الأمر أقل أهمية مع أهل مكة الذين ناصبوه العداء، وأخرجوه من أحب أرض الله إلى قلبه – مكةوخاضوا حروباً ضده في بدر وأُحد والخندق، فقتلوا من المسلمين وقُتل منهم، وأسروا من المسلمين و أُسر منهم، وردّوه عام الحديبية وقد جاء إلى مكة حاجّاً معتمراً، وأساءوا إلى أصحابه فعذبوهم وطردوهم وأخرجوهم، ومع كل ذلك فإنه يوم الفتح، وبعد أن منّ الله على المسلمين بنصر ميمون، وسقط الشرك والباطل في عاصمة الجزيرة العربية، يومها قال لجموع أهل مكة وقد احتشدوا واصطفوا للقائه، ينتظرون ماذا هو فاعل بهم. قال: ماذا تظنون أني فاعل بكم؟ قالوا أخ كريم وابن أخ كريم. قال: اذهبوا فأنتم الطلقاء. فما أعظم هذا الخُلُق، وما أروع هذه الخصال.
ثمّ في علاقته بالمسلمين لم يكن أقلّ تسامحاً، فها هو يعفو عن حاطب بن أبي بلتعة وقد أفشى سر جيش الفتح، فأراد البعض أن يقتص منه، ولكن رسول الله قال: لعلّ الله اطّلع على أهل بدر فقال: اعملوا ما شئتم فإني قد غفرت لكم. وكان حاطب من أهل بدر. وكذلك الأعرابي الذي جاء يطلب مالاً وقد جذبه من طرف ردائه فعلّم ذلك في صفحة عنق رسول الله، يومها غضب عمر لهذا التصرف الأرعن من ذاك الأعرابي، فأراد أن يضرب عنقه، ولكن رسول الله _صلى الله عليه وسلم_ قال له ماذا تريد؟ قال: يا محمد مر لي من مال الله الذي عندك. قال: أعطه يا عمر. ثمّ مضى. فما أروع مكارم الأخلاق، وما أجمل أن نكون متسامحين مع بعضنا البعض في معاملتنا وعلاقتنا وبيعنا وشرائنا وكل حياتنا.
إن العالم اليوم في مشارق الأرض ومغاربها يحتاج إلى تعميم ثقافة وخُلُق التسامح على كافة المستويات، حتى تكون ثقافة عامة، يعمل بها الراعي والرعية، الصغير والكبير، الرجل والمرأة، الموظّف والتاجر، المزارع والصناعي، العامل ورب العمل، السياسي ورجل الأمن، المواطن والمسؤول، الشرقي والغربي، المسلم وغير المسلم، لأن من شأن ذلك، التوجه بالعالم الحائر المضطرب إلى شاطئ وبر الأمان.
إن ما يواجهه العالم اليوم، وما تواجهه المجتمعات الشرقية والغربية على حد سواء، سببه الرئيس تعميم ثقافة الانتقام، والبغض والحقد، ثقافة القنص والغصب وأكل الحقوق، ثقافة المجهر الذي يعمل من الحبة قبة، ثقافة الجدل المفضي إلى النار والهلاك، ثقافة بث الرعب والشك والظن، حتى وصلنا إلى ما وصلنا إليه من مجانبة الصواب، وإتباع شريعة الغاب والذئاب، فبات العالم اليوم حيراناً لا يُعرف له قرار، ولا ينجلي فيه نهار.
إننا في وطننا العربي – ولا أعرف إن بقي هناك وطن عربي – وكأمة مسلمة، آمنت بربها واهتدت بهدي نبيها، مطالبون أن نعمّم ثقافة التسامح والتواصل، لا ثقافة الانتقام من كل شيء في هذا الوجود، من الأخضر واليابس ومن كل كائن حي، فهذا ليس من هدي ديننا، وإن التعبير عن حالة السخط والفوضى والتراجع والتخلّف والضعف الذي تعيشه أمتنا، لا يكون بضرب القيم الأخلاقية العظيمة التي قام عليها كيان هذه الأمة، وفي مقدمتها قيمة التسامح، كما لا يكون بنشر الرعب في مجتمعاتنا والفوضى في صفوف أمتنا، والارتهان للخارج الذي لا يريد خيراً لنا.
إن ثقافة التسامح تشكّل صمام الأمان لعالم مطمئن ومزدهر ومتقدّم، كما تشكّل الأساس المتين لعلاقات طيبة على مستوى الأفراد والمجتمعات، لذا من واجب الجميع العمل على نشر قيم وفضائل التسامح حتى تصير ثقافة عامة، فنعيش في عالم مطمئن ومتقدم.


الجمعة، 6 مايو 2011

النوم المريح


صحتك في النوم
إليكم بعض النصائح التي تساعدكم على النوم بشكل طبيعي وهنالك أسباب كثيرة قد تؤدي إلى اضطرابات مؤقتة في النوم فلا داعي للقلق وحاولوا حل هذه الأعراض مباشرة بمراعاة الخطوات التالية :-
. اخلد إلى السرير فقط عندما تشعر بالنعاس

*    استخدم السرير للنوم فقط
*    اقرأ ورد (دعاء ) النوم كل ليل
قبل الذهاب للنوم عطر الغرفة بالزيوت العطرية (زهر البرتقال واللافندر ) لأنها تساعد على الاسترخاء
*    احرص على نظافة الغرفة وهوائها النقي وآلا تكون باردة كثيرا أو حارة كثيرا
*  إذا لم تشعر بالنوم استفيد من الوقت بالقراءة وسرعان ما تخلد إلى النوم بهدوء دون التفكير بأمور الحياة اليومية التي تشغلك
*  تجنب الذهاب للنوم وأنت جائع فقد يحرمك ذلك لذة النوم و تناول وجبة خفيفة مساء قبل النوم بساعتين على ألا تحتوي على الدهون .
*    اختار السرير والوسادة الملائمة لك كي لا تشعر بأي تعب وقلق أو اضطراب في النوم
*    اشرب شاي الأعشاب قبل النوم أو الحليب الدافئ
*    تمتع بحمام دافئ قبل النوم
*    لا داعي للقلق إذا انتابك فترة ارق فلا بد أن يكون هناك سبب رئيسي خاصة التفكير الذهني بأمر ما
*    دلك باطن القدم لبضع دقائق ..فهذه المنطقة تساعدك على الاسترخاء والنوم
*  في حالة استمرار الأرق لمدة أكثر من شهر ، يفضل مراجعة الطبيب فقد تكون لديك إصابة مرضية خاصة الربو أو التهاب الأنفلونزا أو إن تكون مصابا باضطرابات نفسية كالقلق والكآبة
*    حدد موعد نومك واستيقاظك وابتعد عن السهر يوميا لأنه يتعب جسمك وذهنك معا
*  الدراسات العلمية أثبتت أن الرياضيين ينامون بشكل أفضل من الذين لا يمارسون الرياضة، فالتمارين العادية قد تشجع على النوم . ووقت ممارسة الرياضة ذو أهمية قصوى بالنسبة للنوم، فبداية الدخول في النوم يصاحبها انخفاض في درجة حرارة الجسم، بينما الرياضة تزيد من درجة الحرارة الجسم؛ لذلك يفضل أن يكون التمرين الرياضي قبل وقت النوم على الأقل بثلاث إلى أربع ساعات
*    كما أن الضوء القوي في غرفة النوم من العوامل التي تؤثر على النوم لذلك يفضل أن يكون ضوء غرفة النوم خافتاً
*  تجنب النظر المتكرر إلى ساعة المنبه، لأن ذلك قد يزيد التوتر ومن ثم الأرق، وتجنب استخدام الساعات التي تضئ بالليل
*  تجنب تناول المشروبات الكحولية. إن تناول الكحول قد يؤدي إلى النوم مبدئياً؛ ولكنه من المثبت علمياً أنه ما إن يبدأ الجسم في التفاعل مع المادة الكحولية فإن ذلك يؤدي إلى التقطع في النوم والأرق الشديد، كما أن المواد الكحولية تزيد من فرص الاختناق (الانقطاع في التنفس) أثناء النوم وغير كذا فأنه محرم شرعا في ديننا

*  جميع أنواع المشروبات التي تحتوي على كافيين تؤثر سلباً على النوم، خاصة إذا تم تناولها في فترة المساء أو قبل موعد النوم. وقد أثبتت الدراسات أن الكافيين يسبب الأرق حتى عند أولئك الذين يدّعون أنه لا يؤثر على نومهم كما أن النيكوتين هو أحد أنواع المنبهات، فتدخين السيجارة يؤدي إلى نوم متقطع
*  ينتج عن الضوضاء العالية المتقطعة نومٌ خفيف متقطع لا يساعد الجسم على استعادة نشاطه ولا يمنحه الفرصة للحصول على مراحل النوم العميق. يمكن التخلص من هذه الضوضاء بما يسمى “الضوضاء البيضاء” وهي أن يكون في الخلفية صوت ثابت الشدة ومتواصل كصوت مروحة أو جهاز التكييف
*  حَاولْ معرفة سبب اضطراب النوم وإذا كان بالإمكان، معالجته، كمثال:
هَلْ أخذت أدوية جديدة أو أخذت جرعة زائدة؟ قلة النوم والخمول غالباً ما تكون من الآثار الجانبية للأدوية أو نتيجة تفاعل الأدوية مع بعضها، ناقشْ هذا الأمر مع طبيبك أو الصيدلي
*  اعرف الضغوط في حياتك. هل الاضطراب ناتج من القلق الأكثر من اللازم أو الإحباط؟ يجب أن تجد وقت لتهدأ قبل الذهاب إلي النوم (لا تشاهد أفلام رعب قبل النوم) جد الطريقة التي تستطيع أن تتغلب بها على الضغوط أو الحزن! وسيتحسن نومك
*  إذا كنت تنام في بيئة جديدة مثل الفندق أو منزلك الجديد، أحضر معك أشياء مألوفة بالنسبة إليك مثل الوسادة و المنبهة هذا سيساعدك أن تشعر بالراحة،
*    لا تنسى إحضار بيجامة النوم المفضلة لديك
*    وفي النهاية أحب أن أذكركم بان عالم النوم لغز حير العلماء قديما وحديثا مع تمنياتي لكم بنوم مريح وأحلام سعيدة
منوفلي عمر